لبنان الأربع فصول مقصد السواح والمغتربين طوال أيام السنة. هكذا كانت حالة الحياة السياحية في لبنان قبل الحروب والاحداث الأليمة وهكذا مفترض ان تعود.
ينعم لبنان من بين البقعة الدامية المحيطة بنا بالاستقرار الأمني. إشاعة أجواء الفرح باتت حاجة اجتماعية واقتصادية في ظل الضغوطات المعيشية ونقص الموارد في الخزينة.
تنشط منذ سنوات حركة المهرجانات الصيفية في مناطق لبنانية عدة بدءاً من العاصمة بيروت امتدادا الى الأطراف والريف.
بعيدا عن الاختلافات الثقافية والمعتقدات الدينية وغيرها من الاعتبارات المجتمعية والشخصية، من الضرورة الوطنية عقد مهرجانات فنية وثقافية في أيّ بلد حضاري يسعى لنقل صورة حضارية عن واقعه السليم السياسي والأمني والثقافي والسياحي والاجتماعي.
يستقبل لبنان سنويا في مهرجاناته لا سيما في بعلبك، اهدن، الأرز، جونية، بيروت، بيت الدين، البترون، القبيات، صيدا، صور وغيرها... ابرز النجوم اللبنانيين والعرب والأجانب والفرق العالميّة بحيث ان الصيف يزهو بالموسيقى والأصوات والألحان والأشعار والأزياء من كل حدب وصوب.
ولكن، هل من المعقول أن تلامس أسعار البطاقات لبعض الحفلات ضعفي الحد الأدنى للأجور وأكثر؟
حتى في المقاعد الخلفية لاماكن الجمهور، هل أسعار البطاقات تسمح للمواطن ذات الدخل المحدود بالتنعّم بساعة فرح في مهرجان؟! من يضبط أسعار بطاقات المهرجانات؟!.
انه لواقع سياحي أليم أن ترى في عتمة الليل أفراد عائلة وجيرانهم يجلسون على شرفة منزل ليستمعوا من بعيد لصدى مهرجان، علّهم يفرحون، علّهم غير قادرين على شراء بطاقة واحدة لفرد واحد من عائلتهم.
يقول لنا "ابو جمال "أحد الباعة المتجولين اللبنانيين بالقرب من مكان يعقد فيه مهرجان دولي،
"أنا عازف عود وكنت اجلس في الصفوف الأماميّة في مهرجانات وديع الصافي، زكي ناصيف، الرحابنة. تهجرنا وخسرنا الكثير. الان لا يشتري مني احد السبحات والكعكات التي أبيعها على عربتي، لكني اتي الى هنا لاستمع الى الموسيقى واتفرج على المارّة، لا قدرة لي على شراء بطاقة افضّل ان اشتري بثمنها دواء لزوجتي".
لا شك ان حالته هذه تعكس واقعا اليما يعيشه الكثيرون. إرادة الحياة والأمل والقرح والتنعّم بنِعم الخالق والتعلّم والتثقّف والإبداع و روح الجماعة الإيجابية والسياحة الداخلية و اكتشاف لبنان ، لماذا لا تؤمّن الى الفقير.
تقدم وزارة السياحة والثقافة المساعدات للمهرجانات. ولكن، لماذا لا تفرض على القيمين عليها وجوب عقد ليلة فنية واحدة مجانية تُفتح ابوابها امام الأهالي؟
كم هو عدد المهرجانات الفنية المجانية التي عقدتها الوزارات المعنية في قرى وبلدات لبنان على نفقة الدولة؟!
لماذا لا يقدّم بعض نجومنا الفنيين الكبار حفلات مجانيّة في ساحات القرى والبلدات بالتنسيق مع البلديات والجمعيات والوزارات؟! هل أصبح الفنّ تجارة ولم يعد رسالة؟! ماذا تقدّم الدولة اللبنانية لتراثنا اللبناني العريق لإحيائه؟ على نوابنا الكرام تقديم اقتراح قوانين بهذه المسائل.
بالمقابل، أين المسارح في وطننا؟! أين المسرحيات الوطنية والثقافية والفنية؟! لماذا لا دار أوبرا في بيروت؟! ماذا تقدم وزاراتنا المحتفلة بافتتاح موسم المهرجانات لأطفال الوطن؟ حفلات ومسرحيّات مجانيّة للأطفال متنقلة مثلاً، أين يمكن إيجادها؟.
لبنان القائم اقتصاده أصلا على قطاع السياحة والخدمات بات الأغلى من بين دول العالم. السائح اللبناني والأجنبي يفضل دولا مجاورة كلفة السفر والإقامة فيها لخمسة أيام اقل من كلفة مشوار الى مسبح او مطعم او بطاقة حفلة.
بعض لجان المهرجانات باتت تنذر انّ وضعها المادي يهدّد بوقف أنشطتها وهذا موضوع يستحق التوقف عنده لجهة التمويل والمساعدات والأرباح السابقة والإدارة وغيرها من المسائل التي تؤكد اننا بحاجة الى نظام سياحي جديد وإصلاح جدي لقطاع يجب تطويره.
مهرجانات لبنان للأغنياء فقط؛ ولكن الفن والفرح والثقافة من حق الجميع. نشر الفرح في احياء وقرى الوطن واجب وطني رغم الآلام والجراح على فقدان الشهداء والاحبة ، و رغم الأسى والفقر والبطالة والقلق. التقسيم الاجتماعي له وجوه عدة فلنكافحه بكل اشكاله ولتقدم الدعم والتحية لكل من يفكر بفتح أبواب بلدته وقريته للناس في مهرجان مجاني ليأتوا من كل مكان ويفرحوا سويا ببلد العراقة بلد ينابيع الفنون والحرف.